فصل: الفصل الرابع من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية:

وفيه خمسة أطراف:

.الطرف الأول في ذكر معاملاتها:

وفيه ثلاث أركان:
الركن الأول: الأثمان:
وهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الدنانير المسكوكة مما يضرب بالديار المصرية أو يأتي إليها من المسكوك في غيرها من الممالك:
وهي ضربان:
الضرب الأول: ما يتعامل به وزناً:
كالذهب المصري وما في معناه والعبرة في وزنها بالمثاقيل، وضابطها أن كل سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم من الدراهم الآتي ذكرها، والمثقال معتبر بأربعة وعشرين قيراطاً، وقدر بثنتين وسبعين حبة شعير من الشعير الوسط باتفاق العلماء، خلافاً لابن حزم فإنه قدره بأربع وثمانين حبةً، على أن المثقال لم يتغير وزنه في جاهيلة ولا إسلام.
قلت: وقد كان الأمير صلاح الدين بن عرام في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين بعد السبعين والسبعمائة ضرب بالإسكندرية وهو نائب السلطنة بها يومئذ، دنانير زنة كل دينار مثقالٌ على أحد الوجهين منه محمد رسول الله وعلى الوجه الآخر ضرب بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عز نصره ثم أمسك عن ذلك فلم تكثر هذه الدنانير ولم تشتهر؛ ثم ضرب الأمير يلبغا السالمي أستادار العالية في الدولة الناصرية فرج بن برقوق دنانير زنة كل واحد منها مثقال، في وسط سكته دائرة فيها مكتوب فرج وربما كان منها ما زنته مثقال ونصف أو مثقالان، وربما كان نصف مثقال أوربع مثقال. إلا أن الغالب فيها نقص أوزانها، وكأنهم جعلوا نقصها في نظير كلفة ضربها.
الضرب الثاني ما يتعامل به معادة:
وهي دنانير يؤتى بها من البلاد الإفرنجة والروم، معلومة الأوزان، كل دينار منها معتبر بتسعة عشر قيراطاً ونصف قيراط من المصري، واعتباره بصنج الفضة المصرية كل دينار زنة درهم وحبتي خروب يرجح قليلاً، وهذه الدنانير مشخصة على أحد وجهيها صورة الملك الذي تضرب في زمنه، وعلى الوجه الآخر صورتا بطرس وبوليس الحواريين اللذين بعث بهما المسيح عليه السلام إلى رومية، ويعبر عنها بالإفرنتية جمع إفرنتي، وأصله إفرنسي بسين مهملة بدل التاء المثناة فوق نسبة إلى إفرنسة: مدينة من مدنهم، وربما قيل فيها إفرنجة، وإليها تنسب طائفة الفرنج، وهي مقرة الفرنسيس ملكهم، ويعبر عنه أيضاً بالدوكات. وهذا الاسم في الحقيقة لا يطلق عليه إلا إذا كان ضرب البندقية من الفرنجة، وذلك أن الملك اسمه عندهم دوك، وكأن الألف والتاء في الآخر قائمان مقام ياء النسب.
قلت: ثم ضرب الناصر فرج بن برقوق دنانير على زنة الدنانير الإفرنتية المتقدمة الذكر؛ في أحد الوجهين لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الآخر اسم السلطان، وفي وسطه سفط مستطيل بين خطين، وعرفت بالناصرية وكثر وجدانها، وصار بها أكثر المعاملات. إلا أنهم ينقصونها في الأثمان عن الدنانير الإفرنتية عشرة دراهم.
ثم ضرب على نظيرها الإمام المستعين بالله أبو الفضل العباس حين استبد بالأمر بعد الناصر فرج، ولم يتغير فيها غير السكة، باعتبار انتقالها من اسم السلطان إلى اسم أمير المؤمنين.
ثم صرف الذهب بالديار المصرية لا يثبت على حالة بل يعلو تارة ويهبط أخرى بحسب ما تقتضيه الحال وغالب ما كان عليه صرف الدينار المصري فيما أدركناه في التسعين والسبعمائة وما حولها عشرون درهماً، والإفرنتي سبعة عشر درهماً وما قارب ذلك. أما الآن فقد زاد وخرج عن الحد خصوصاً في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وإن كان في الدولة الظاهرية بيبرس قد بلغ المصري ثمانية وعشرين درهماً ونصفاً فيما رأيته في بعض التواريخ.
أما الدينار الجيشي، فمسمًى لا حقيقة، وإنما يستعمله أهل ديوان الجيش في عبرة الإقطاعات بأن يجعلوا لكل إقطاع عبرة دنانير معينة من قليل أو كثير، وربما أخليت بعض الإقطاعات من العبرة. على أنه لا طائل تحتها ولا فائدة في تعيينها، فربما كان متحصل مائة دينار في إقطاع أكثر من متحصل مائتي دينار فأكثر في إقطاع آخر. على أن صاحب قوانين الدواوين قد ذكر الدينار الجيشي في إقطاعات على طبقات مختلفة في عبرة الإقطاعات، فالأجناد من الترك والأكراد والتركمان دينارهم دينارٌ كامل، والكتانية والعساقلة ومن يجري مجراهم دينارهم نصف دينار، والعربان في الغالب دينارهم ثمن دينار، وفي عرف الناس ثلاثة عشر درهماً وثلث، وكانه على ما كان عليه الحال من قيمة الذهب عند ترتيب الجيش في الزمن القديم، فإن صرف الذهب في الزمن الأول كان قريباً من هذا المعنى، ولذلك جعلت الدية عند من قدرها بالنقد من الفقهاء ألف دينار واثني عشر ألف درهم، فيكون عن كل دينار اثنا عشر درهماً، وهو صرفه يومئذ.
النوع الثاني: الدراهم النقرة:
وأصل موضوعها أن يكون ثلثاها من فضة وثلثها من نحاس، وتطبع بدور الضرب بالسكة السلطانية على نحو ما تقدم في الدنانير، ويكون منها دراهم صحاحٌ وقراضات مكسرة على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والعبرة في وزنها بالدرهم؛ وهو معتبر بأربعة وعشرين قيراطاً؛ وقدر بست عشرة حبةً من حب الخروب، فتكون كل خروبتين ثمن درهم، وهي أربع حبات من حب البر المعتدل؛ والدرهم من الدنيار نصفه وخمسه، وإن شئت قلت سبعة أعشاره فيكون كل سبعة مثاقيل عشروة درهم.
أما الدراهم السوداء، فأسماءٌ على غير مسميات كالدنانير الجيشية، وكل درهم منها معتبر في العرف بثلث درهم نقرة، وبالإسكندرية دراهم سوداء يأتي الكلام عليها في معاملة الإسكندرية إن شاء الله تعالى.
النوع الثالث: الفلوس:
وهي صنفان: مطبوع بالسكة، وغير مطبوع فأما المطبوع فكان في الزمن الأول إلى أواخر الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون فلوس لطاف، يعتبر كل ثمانية وأربعين فلساً منها بدرهم من النقرة على اختلاف السكة فيها، ثم أحدث في سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة حسن أيضاً فلوس شهرت بالجدد جمع جديد، زنة كل فلسٍ منها مثقالٌ، وكل فلس منها قيراطٌ من الدرهم، مطبوعةٌ بالسكة السلطانية على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب إن شاء الله تعالى، فجاءت في نهاية الحسن، وبطل ما عداه من الفلوس، وهي أكثر مما يتعامل به أهل زماننا. إلا أنها فسد قانونها في تنقيصها في الوزن عن المثقال حتى صار فيها ما هو دون الدرهم، وصار تكوينها غير مستدير، وزكانت توزن بالقبان كل مائة وثمانية عشر رطلاً بالمصري بمبلغ خمسمائة درهم، ثم أخذت في التناقص لصغر الفلوس ونقص أوزانها حتى صار كل مائة وأحد عشر رطلاً بمبلغ خمسمائة.
قلت: ثم استقر الحال فيها على ذلك على أنه لو جعل كل أوقية فما دونها بدرهم، لكان حسناً باعتبار غلو النحاس وقلة الواصل منه إلى الديار المصرية، وحمل التجار الفلوس المضروبة من الديار المصرية إلى الحجاز واليمن وغيرهما من الأقاليم متجراً، ويوشك إن دام هذا تنفد الفلوس من الديار المصرية، ولا يوجد ما يتعامل به الناس.
وأما غير المطبوعة فنحاسٌ مكسر من الأحمر والأصفر، ويعبر عنها بالعتق؛ وكانت في الزمن الأول كل زنة رطل منها بالمصري بدرهمين من النقرة، فلما عملت الفلوس الجدد المتقدمة الذكر، استقر كل رطل منها بدرهم ونصف، وهي على ذلك إلى الآن.
قلت: ثم نفدت هذه الفلوس من الديار المصرية لغلو النحاس، وصار مهما وجد من النحاس المكسور خلط بالفلوس الجدد وراج معها على مثل وزنها.
الركن الثاني في المثمنات:
وهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الموزونات:
ورطلها الذي يعتبر بوزنه في حاضرتها من القاهرة وما قاربهما الرطل المصريي، وهو مائة وأربعة وأربعون درهماً، وأوقيته اثنا عشر درهماً، وعنه يتفرع القنطار المصري، وهو مائة رطل؛ وتعتبر أوزان الطيب بها بالمن، وهو مائتان وستون درهماً، وأواقيه ست وعشرون أوقية، فتكون أوقيته عشرة دراهم.
النوع الثاني: المكيالات من الحبوب ونحوها:
واعلم أن بمصر أقداحاً مختلفة المقادير أيضاً كالأرطال بحسبه، ولكل ناحية قدح مخصوص بحسب إردابها، والمستعمل منها بالحاضرة القدح المصري، وهو قدح صغير تقديره بالوزن من الحب المعتدل مائتان واثنان وثلاثون درهماً، وقدره الشيخ تقي الدين بن رزين في الكلام على صاع الفطرة باثنين وثلاثين ألف حبة وسبعمائة واثنتين وستين حبة؛ وكل ستة عشر قدحاً تسمّى ويبة، وكل ستة وتسعين إردبّاً؛ وبنواحيها بالوجهين القبليّ والبحريّ أرادبّ متفاوتة يبلغ مقدار الإردبّ في بعضها إحدى عشرة ويبة بالمصريّ فأكثر.
النوع الثالث: المقيسات وهي الأراضي والأقمشة:
فأما الأراضي فصنفان:
الصنف الأول أرض الزراعة:
وقد اصطلح أهلها على قياسها بقصبة تعرف بالحاكمية، كأنها حرّرت في زمن الحاكم بأمر الله الفاطميّ فنسبت إليه، وطولها ستة أذرع بالهاشميّ كما ذكره أبو القاسم الزجاجيّ في شرح مقدّمة أدب الكاتب وخمسة أذرع بالنجاريّ كما ذكره ابن ممّاتي في قوانين الدواوين وثمانية أذرع بذراع اليد كما ذكره غيرهما. وذراع اليد ست قبضات بقبضة إنسان معتدل؛ كلّ قبضة أربعة أصابع بالخنصر والبنصر والوسطى والسّبّابة، كل إصبع ست شعيرات معترضات ظهراً لبطن على ما تقدّم في الكلام على الأميال. وقد تقدّر القصبة بباعين من رجل معتدل؛ وربما وقع القياس في بعض بلاد الوجه البحريّ منها بقصبة تعرف بالسّندفاويّة أطول من الحاكمية بقليل، نسبة إلى بلد تسمّى سندفا بالقرب من مدينة المحلّة، ثم كل أربعمائة قصبة في التكسير يعبر عنها بفدّان، وهو أربعة وعشرون قيراطاً، كل قيراط ستّ عشرة قصبة في التكسير.
الصنف الثاني أرض البنيان من الدّور وغيرها:
وقد اصطلحوا على قياسها بذراع يعرف بذراع العمل طوله ثلاثة أشبار بشبر رجل معتدل، ولعله الذراع الذي كان يقاس به أرض السواد بالعراق، فقد ذكر الزجاجي أنه ذراع وثلث بذراع اليد، وكان ابتداء وضع الذراع لقياس الأرضين أن زياد ابن أبيه حين ولاه معاوية العراق وأراد قياس السواد، جمع ثلاثة رجال: رجلاً من طول القوم ورجلاً من قصارهم ورجلاً متوسطاً بين ذلك؛ وأخذ الطول ذراع كل منهم، فجمع ذلك وأخذ ثلثه، فجعله ذراعاً لقياس الأرضين، وهو المعروف بالذراع الزيادي لوقوع تقديره بأمر زياد، ولم يزل ذلك حتى صارت الخلافة لبني العباس فاتخذوا ذراعاً مخالفاً لذلك كأنه أطول منه، فسمي بالهاشمي لوقوعه في خلافة بني العباس، ضرورة كونهم من بني هاشم.
وأما الأقمشة- فإنها تقاس بالقاهرة بذراع طوله ذراع بذراع اليد أربع وأصابع مطبوقة، ويزيد عليه ذراع القماش بالفسطاط بعض الشيء، وربما زاد في بعض نواحي الديار المصرية أيضاً نحو ذلك. ولغير القماش من الأصناف أيضاً كالحصر وغيرها ذراع يخصه.
الركن الثالث في الأسعار:
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار جملة من الأسعار في زمانه فقال: وأوسط أسعارها في غالب الأوقات أن يكون الإردب القمح بخمسة عشر درهماً، والشعير بعشرة، وبقية الحبوب على هذا الأنموذج، والأرز يبلغ فوق ذلك؛ واللحم أقل سعره الرطل بنصف درهم، وفي الغالب أكثر من ذلك؛ والدجاج يختلف سعره بحسب حاله، فجيده الطائر منه بدرهمين إلى ثلاثة والدون منه بدرهم واحد؛ والسكر الرطل بدرهم ونصف، وربما زاد، والمكرر منه بدرهمين ونصف.
قلت: وهذه الأسعار التي ذكرها قد أدركنا غالبها وبقيت إلى ما بعد الثمانين والسبعمائة فغلت الأسعار وتزايدت في كل صنف من ذلك وغيره، وصار المثل إلى ثلاثة أمثاله وأربعة أمثاله، فلا حول ولا قوة إلا بالله ذي المنن الجسيمة القادر على إعادة ذلك على ما كان عليه أو دونه {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا}.

.الطرف الثاني في ذكر جسورها الحابسة لمياه النيل على أرض بلادها إلى حين استحقاق الزراعة وأصناف أرضها وما يختص بكل صنف من أرضها من الأسماء الدائرة بين كتابها ومزارعها وبيان أصناف مزدرعاتها وأحوال زرعها:

فأما جسورها فعلى صنفين:
الصنف الأول الجسور السلطانية:
وهي الجسور العامة الجامعة للبلاد الكثيرة التي تعمر في كل سنة في الديوان السلطاني بالوجهين: القبلي والبحري، ولها جراريف ومحاريث وأبقار مرتبة على غالب البلدان بكل عمل من أعمالها.
وقد جرت العادة أن يجهز لكل عمل في كل سنة أمير بسبب عمارة جسوره، ويعبر عنه بكاشف الجسور بالعمل الفلاني، ويعرف بذلك في تعريف مكاتبته عن الأبواب الشريفة، وربما أضيف كشف جسور عملٍ من الأعمال إلى متولي جريه، ويقال في تعريفه: والي فلانة وكاشف الجسور بها، إذا كانت المكاتبة بسبب شيء يتعلق بالجسور، ولهذه الجسور كاتبٌ منفرد بها مقرر في ديوانه ما على كل بلد من الجراريف والأبقار، وتكتب التذاكير السلطانية لكاشف كل عمل في الورق الشامي المربع، ويشملها العلامة الشريفة السلطانية بالاسم الشريف، وللجسور خولةٌ ومهندسون لكل عمل يقومون في خدمة الكاشف في عمارة الجسور إلى أن تنتهي عمارتها.
الصنف الثاني الجسور البلدية:
وهي الخاصة ببلد دون بلد، ويتولى عمارتها المقطعون بالبلاد: من الأمراء والأجناد وغيرهم، من أموال البلاد الجارية في إقطاعهم، ولها ضارئب مقررة في كل سنة.
قال ابن مماتي في قوانين الدواوين: والفرق بين السلطانية والبلدية أن السلطانية جارية مجرى سور المدينة الذي يجب على السلطان الاهتمام بعمارته والنظر في مصلحته وكفاية العامة أمر الفكرة فيه، والبلدية جارية مجرى الآدر والمساكن اللتي داخل السور، كل صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها.
قال: وقد جرت عادة الديوان أن المقطع المنفصل إذا أنفق شيئاً من إقطاعه في إقامة جسر لعمارة السنة التي انتقل الخير عنه لها، استعيد له نظير منفقه من المقطع الثاني؛ وكذلك كل ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره كان له استعادة نظيره.
قلت: وقد أهمل الاهتمام بأمر الجسور في زماننا، وترك عمارة أكثر الجسور البلدية، واقتصر في عمارة الجسور السلطانية على الشيء اليسير الذي لا يحصل به كبير نفع، ولولا ما من الله تعالى به على العباد من كثير الزيادة في النيل من حيث إنه صار يجاوز تسعة عشر ذراعاً فما فوقها إلى ما جاوز العشرين، لفات ري أكثر البلاد وتعطلت زراعتها، فضلاً من الله ونعمة، وإلا فقد كان النيل في الغالب يقف على سبع عشرة ذراعاً فما حولها، بل تقدم من كلام المسعودي أنه إذا جاء النيل ثماني عشرة ذراعاً، استبحر من أراضيها الثلث.
وأما أنواع أرضها- وما يختص بكل نوع من الأسماء، فإنها تختلف باختلاف الزراعة وعدمها، وبسبب ذلك تتفاوت الرغبة فيها وتختلف قيمتها باختلاف قيمة ما يزرع فيها، وقد عد منها ابن مماتي ثلاثة عشر نوعاً:
النوع الأول- الباق، قال ابن مماتي: وهو أثر القرط والقطاني والمقاثيء. قال: وهو خير الأرضين وأغلاها قيمة وأوفاهاً سعراً وقطيعة، لأنها تصلح لزراعة القمح والكتان.
قلت: والمعروف في زماننا أن الباق أثر القرط والفول خاصة. أما المقاثيء فإن أثرها يسمى البرش وسيأتي ذكره فيما بعد.
النوع الثاني- ري الشراقي. قال ابن مماتي: وهو يتبع الباق في الجودة، ويلحق به في القطيعة، لأن الأرض قد ظمئت في السنة الماضية واشتدت حاجتها إلى الماء، فلما رويت حصل لها من الري بمقدار ما حصل لها من الظمإ، وكانت أيضاً مستريحة فزرعها ينجب.
النوع الثالث- البروبية. وأهل زماننا يقولون البرايب، قال ابن مماتي: وهو أثر القمح والشعير، قال: وهو دون الباق لأن الأرض تضعف بزراعة هذين الصنفين.
فمتى زرع أحدهما على الآخر لم تنجب كنجابة الباق وسعرها دون سعره، ويجب أن تزرع قرطاً وقطاني ومقاثيء لتستريح الأرض وتصير باقاً في السنة الآتية.
النوع الرابع- البقماهة، بضم الباء الموحدة وسكون القاف- وهو أثر الكتان. قال ابن مماتي: ومتى زرع فيه القمح لم ينجب، وجاء رقيق الحب أسود اللون.
النوع الخامس- الشتونية، وأهل زماننا يقولون الشتاني، وهو أثر ما روي وبار في السنة الماضية؛ قال ابن مماتي: وقطيعته دون قطيعة الشارقي.
النوع السادس- شوشمس السلايح؛ قال ابن مماتي: وهو عبارة عما روي وبار بحرث وعطل، وهو يجري مجرى الباق وري الشراقي، ويجيء ناجب الزرع.
النوع السابع- البرش النقاء، قال: وهو عبارة عن كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها للسنة الماضية، لا شاغل لها عن قبول ما تودعه من أصناف المزروعات.
النوع الثامن- الوسخ المزروع؛ قال: وهو عبارة عن كل أرض لم يستحكم وسخها، ولم يقدر المزارعون على استكمال إزالته منها فحرثوها وزرعوها وطلع زرعها مختلطاً بوسخها.
النوع التاسع- الوسخ الغالب، وهو عبارة عن كل أرض حصل فيها من النبات الذي شغلها عن قبول الزراعة ما غلب المزارعين عليها، ومنعهم بكثرته عن الزراعة فيها، وهي تباع مراعي للبهائم.
النوع العاشر- الخرس، وهو عبارة عن فساد الأرض بما استحكم فيها من موانع قبول الزرع، وهو أشد من الوسخ الغالب في التنقية والإصلاح، وهي مرعى الدواب.
النوع الحادي عشر- الشراقي، وهو عبارة عما لم يصل إليه الماء لقصور النيل وعلو الأرض، أو سد طريق الماء عنه.
النوع الثاني عشر- المستبحر، وهو عبارة عن أرض واطئة إذا حصل الماء فيها لا يجد مصرفاً له عنها فيمضي زمن الزراعة قبل زواله بالنضوب. قال ابن مماتي: وربما انتفع به من ازدرع الأرض بالاستقاء منه بالسواقي لما زرعه في العلو.
النوع الثالث عشر- السباخ، وهو أرض غلب عليها الملح فملحت حتى لم ينتفع بها في زراعة الحبوب، وهي أردى الأرضين، قال ابن مماتي: وربما زرع فيما لم يستحكم منها الهليون والباذنجان، وربما قطع منها ما يسبح به الكتان ويزرع فيها القصب الفارسي فينجب.